القسم الاول من المياه : الماء المطلق وحكمه أنه  طهور : أي أنه طاهر في نفسه مطهر لغيره ويندرج تحته من الانواع ما يأتي :  
1 - ماء  المطر والثلج والبرد لقول الله تعالى : ( وينزل عليكم من السماء ماء ليطهركم به ) ( 1 )  وقوله تعالى ( وأنزلنا من السماء ماء طهورا ) ( 2 ) ولحديث أبي هريرة رضي الله عنه  قال : كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا كبر في الصلاة سكت هنيهة قبل القراءة ،  فقلت : يا رسول الله - بأبي أنت وأمي - أرأيت سكوتك بين التكبير والقراءة ما تقول ؟  قال : ( أقول اللهم باعد بيني وبين خطاياي كما باعدت بين المشرق والمغرب ، اللهم  نقني من خطاياي كما ينقى الثوب الابيض من الدنس ، اللهم اغسلني من خطاياي بالثلج  والماء والبرد ) رواه الجماعة إلا الترمذي .
وهي اما حقيقية كالطهارة بالماء أو حكمية كالطهارة بالتراب في التيمم .  ( 1 ) سورة الانقال آية : 11 . ( 2 ) سورة الفرقان آية 48  
2 - ماء  البحر ،  لحديث أبي هريرة رضي الله عنه قال : سأل رجل رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال يا  رسول الله ، إنا نركب البحر ، ونحمل معنا القليل من الماء فإن توضأنا به عطينا ،  أفنتوضأ بماء البحر ؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( هو الطهور ( 3 ) ماؤه  ، الحل ميتته ) رواه الخمسة .
 ( 3 ) لم يقل رسول الله صلى  الله عليه وسلم في جوابه ( نعم ) ليقرن الحكم بعلته ، وهو الطهورية المتناهية في  بابها ، وزاده حكما لم يسأل عنه ، وهو حل الميتة ، إتماما للفائدة ، وإفادة لحكم  آخر غير المسؤول عنه ، ويتأكد عند ظهور الحاجة الى الحكم ، وهذا من محاسن الفتوى .  
وقال الترمذي : هذا الحديث حسن صحيح ، وسألت محمد بن إسماعيل البخاري عن  هذا الحديث فقال : حديث صحيح .
 3 - ماء زمزم ، لما روي من حديث علي رضي  الله عنه ( أن رسول الله صلى الله عليه وسلم دعا بسجل ( 1 ) من ماء زمزم فشرب منه  وتوضأ ) رواه أحمد . 
 ( السجل ) الدلو المملوء  
 4 - الماء المتغير بطول المكث ، أو بسبب مقره ،  أو بمخالطة ما لا ينفك عنه غالبا ، كالطحلب وورق الشجر ، فإن  اسم الماء المطلق يتناوله باتفاق العلماء . والاصل في هذا الباب أن كل ما يصدق عليه  اسم الماء مطلقا عن التقييد يصح التطهر به ، قال الله تعالى : ( فلم تجدوا ماء  فتيمموا ) ( 2 ) .
 ( 2 ) سورة المائدة بعض الاية  6 
القسم الثاني  : الماء المستعمل وهو المنفصل من أعضاء المتوضئ والمغتسل ، وحكمه أنه طهور كالماء المطلق  ، سواء بسواء ، اعتبارا بالاصل ، حيث كان طهورا ، ولم يوجد دليل يخرجه عن طهوريته ،  والحديث لربيع بنت معوذ في وصف وضوء رسول الله صلى الله عليه وسلم قالت : ( ومسح  رأسه بما بقي من وضوء في يديه ) رواه أحمد وأبو داود ، ولفظ أبي داود ( أن رسول  الله صلى الله عليه وسلم مسح رأسه من فضل ماء كان بيده ) وعن أبي هريرة رضي الله  عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم لقيه في بعض طرق المدينة وهو جنب ، فانخنس منه  فذهب فاغتسل ثم جاء فقال : ( أين كنت يا أبا هريرة ؟ ) فقال : كنت جنبا ، فكرهت أن  أجالسك وأنا على غير طهارة ، فقال : سبحان الله إن المؤمن لا ينجس ) رواه الجماعة :  ووجه دلالة الحديث ، أن المؤمن إذا كان لا ينجس ، فلا وجه لجعل الماء فاقدا  للطهورية بمجرد مماسته له ، إذ غايته التقاء طاهر بطاهر وهو لا يؤثر . قال ابن  المنذر : روي عن علي وابن عمر وأبي أمامة وعطاء والحسن ومكحول والنخعي : أنهم قالوا  فيمن نسي مسح رأسه فوجد بللا في لحيته : يكفيه   مسحه بذلك ، قال : وهذا يدل على أنهم يرون المستعمل مطهرا ، وبه أقول : وهذا  المذهب إحدى الروايات عن مالك والشافعي ، ونسبه ابن حزم إلى سفيان الثوري وأبي ثور  وجميع أهل الظاهر .
 القسم الثالث : الماء الذي خالطه  طاهر  كالصابون والزعفران والدقيق وغيرها من الاشياء التي تنفك عنها غالبا . وحكمه أنه  طهور مادام حافظا لاطلاقه ، فإن خرج عن إطلاقه بحيث صار لا يتناوله اسم الماء  المطلق كان طاهرا في نفسه ، غير مطهر لغيره ، فعن أم عطة قالت : دخل علينا رسول  الله صلى الله عليه وسلم حين توفيت ابنته ( زينب ) فقال : ( إغسلنها ثلاثا أو خمسا  أو أكثر من ذلك - إن رأيتن - بماء وسدر واجعلن في الاخيرة كافورا أو شيئا من كافور  ، فإذا فرغتن فآذنني فلما فرغن آذناه ، فأعطانا حقوه فقال : ( أشعر نها إياه ) تعني  : إزاره ، رواه الجماعة . والميت لا يغسل إلا بما يصح به التطهير للحي ، وعند أحمد  والنسائي وابن خزيمة من حديث أم هانئ : أن النبي صلى الله عليه وسلم اغتسل هو  وميمونة من إناء واحد : قصعة فيها أثر العجين ، ففي الحديثين وجد الاختلاط ، إلا  أنه لم يبلغ بحيث يسلب عنه إطلاق اسم الماء عليه . القسم الرابع : الماء الذي لاقته النجاسة وله حالتان  :
 ( الاولى  ) أن  تغير النجاسة طعمه أو لونه أو ريحه وهو في هذه الحالة لا يجوز التطهر به إجماعا ،  نقل ذلك ابن المنذر وابن الملقن .
 ( الثانية  ) أن  يبقي الماء على إطلاقه ، بأن لا يتغير أحد أوصافه الثلاثة . وحكمه أنه طاهر مطهر .  قل أو كثر ، دليل ذلك حديث أبي هريرة رضي الله عنه قال : قام أعرابي فبال في المسجد  ، فقام إليه الناس ليقعوا به . فقال النبي صلى الله عليه وسلم : ( دعوه وأريقوا على  بوله سجلا من ماء ، أو ذنوبا ( 1 ) من ماء ، فإنما بعثتم ميسرين ولم تبعثوا معسرين  ) رواه الجماعة إلا مسلما وحديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال : قيل يا رسول  الله أنتوضأ من بئر بضاعة ؟ ( 2 ) فقال صلى الله عليه وسلم : ( الماء طهور لا ينجسه  شئ ) رواه أحمد والشافعي وأبو داود والنسائي والترمذي وحسنه ، وقال أحمد : حديث بئر  بضاعة صحيح وصححه يحيى بن معين وأبو محمد بن حزم . وإلى هذا ذهب ابن عباس وأبو  هريرة والحسن البصري ، وابن المسيب وعكرمة وابن أبي ليلى والثوري وداود الظاهري  والنخعي ومالك وغيرهم ، وقال الغزالي : وددت لو أن مذهب الشافعي في المياه كان  كمذهب مالك . وأما حديث عبد الله بن عمر رضي الله عنهما : أن النبي صلى الله عليه  وسلم قال : ( إذا كان الماء قلتين لم يحمل الخبث ) رواه الخمسة ، فهو مضطرب سندا ،  ومتنا . قال ابن عبد البر في التمهيد : ما ذهب إليه الشافعي من حديث القلتين ، مذهب  ضعيف من جهة النظر ، غير ثابت من جهة الاثر . 
 ( 1 )  السجل أو الذنوب : وعاء به ماء . ( 2 ) ( بئر بضاعة ) بضم أوله : بئر المدينة . قال  أبو داود . وسمعت قتيبة بن سعيد قال : سألت قيم بئر بضاعة عن عمقها ؟ قال : أكثر ما  يكون فيها الماء الى العانة ، قلت : فإذا نقص ؟ قال : دون العورة قال أبو داود :  وقدرت أنا بئر بضاعة بردائي مددته عليها ثم 
ذرعته فإذا عرضها ستة أذرع ، وسألت الذي فتح لي باب البستان فأدخلني  إليه . هل غير بناؤها عما كانت عليه ؟ قال : لا ، ورأيت فيها ماء متغير اللون ، (  ذرعته ) ، قسته بالذراع 
 
No comments:
Post a Comment