سنن الفطرة
 قد اختار الله سننا للانبياء عليهم السلام ،  وأمرنا بالاقتداء بهم فيها ، وجعلها من قبيل الشعائر التي يكثر وقوعها ليعرف بها  أتباعهم ، ويتميزوا بها عن غيرهم . وهذه الخصال تسمى سنن الفطرة وبيانها فيما يلي  :
 1 - الختان  : وهو  قطع الجلدة التي تغطي الحشفة ، لئلا يجتمع فيها الوسخ ، وليتمكن من الاستبراء من  البول ، ولئلا تنقص لذة الجماع ، هذا بالنسبة إلى الرجل . وأما المرأة فيقطع الجزء  الاعلى من الفرج بالنسبة لها ( 2 ) وهو سنة قديمة . فعن أبي هريرة رضي الله عنه قال  ، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( اختتن إبراهيم خليل الرحمن بعدما أتت عليه  ثمانون سنة ، واختتن بالقدوم ( 3 ) ) رواه البخاري ، ومذهب الجمهور أنه واجب ، ويرى  الشافعية استحبابه يوم السابع . وقال الشوكاني : لم يرد تحديد وقت له ولا ما يفيد  وجوبه .
أحاديث الامر بختان المرأة ضعيفة لم يصح منها شئ . ( 2 ) ( القدوم ) آلة  النجار ، أو موضع بالشام . ( . ) 
2 ، 3 : الاستحداد ( 4 ) ، ونتف الابط ، وهما سنتان يجزئ فيهما الحلق والقص  والنتف والبؤرة .
 4 ، 5 : تقليم الاظافر وقص  الشارب أو إحفاؤه ، وبكل منهما وردت روايات صحيحة ، ففي حديث ابن عمر رضي الله عنهما أن  النبي صلى الله عليه وسلم قال : ( خالفوا المشركين : وفسروا اللحى ، وأحفوا الشوارب  ) رواه الشيخان ، وفي حديث أبي هريرة رضي الله عنه قال : قال النبي صلى الله عليه  وسلم ( خمس من الفطرة : ( الاستحداد ، والختان ، وقص الشارب ، ونتف الابط ، وتقليم  الاظافر ) رواه الجماعة فلا يتعين منهما شئ وبأيهما تتحقق السنة ، فإن المقصود أن  لا يطول الشارب حتى يتعلق به الطعام والشراب ولا يجتمع فيه الاوساخ . وعن زيد بن  أرقم رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ( من لم يأخذ من شاربه فليس  منا ) رواه أحمد والنسائي ، والترمذي وصححه ، ويستحب الاستحداد ونتف الابط وتقليم  الاظافر وقص الشارب أو إحفاءه كل اسبوع استكمالا للنظافة واسترواحا للنفس ، فإن  بقاء بعض الشعور في الجسم يولد فيها ضيقا وكآبة ، وقد رخص ترك هذه الاشياء إلى  الاربعين ، ولا عذر لتركه بعد ذلك ، لحديث أنس رضي الله عنه قال : ( وقت لنا النبي  صلى الله عليه وسلم في قص الشارب ، وتقليم الاظافر ، ونتف الابط ، وحلق العانة ،  ألا يترك أكثر من أربعين ليلة ) ، رواه أحمد وأبو داود وغيرهما  .
 6 - إعفاء  اللحية  وتركها حتى تكثر ، بحيث تكون مظهرا من مظاهر الوقار ، فلا تقصر تقصيرا يكون قريبا  من الحلق ولا تترك حتى تفحش ، بل يحسن التوسط فإنه في كل شئ حسن ، ثم إنها من تمام  الرجولة ، وكمال الفحولة 
فعن ابن عمر رضي الله عنهما قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : (  خالفوا المشركين : وفروا اللحى ( 1 ) ، وأحفوا الشوارب ) ، متفق عليه ، وزاد  البخاري ( وكان ابن عمر إذا حج أو اعتمر قبض على لحيته فما فضل أخذه )  .
 ( 1 ) حمل الفقهاء هذا الامر  على الوجوب وقالوا بحرمة حلق اللحية بناء على هذا الامر . ( . )
 7 - إكرام  الشعر  إذا وفر وترك بأن يدهن ويسرح ، لحديث أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله  عليه وسلم قال : ( من كان له شعر فليكرمه ) رواه أبو داود ، وعن عطاء بن يسار رضي  الله عنه قال : أتى رجل النبي صلى الله عليه وسلم ثائر الرأس ( 1 ) واللحية فأشار  إليه رسول الله صلى الله عليه وسلم كأنه يأمره بإصلاح شعره ولحيته ، ففعل ثم رجع ،  فقال صلى الله عليه وسلم : ( أليس هذا خيرا من أن يأتي أحدكم ثائر الرأس كأنه شيطان  ) رواه مالك . وعن أبي قتادة رضي الله عنه ( أنه كان له جمة ضخمة . فسأل النبي صلى  الله عليه وسلم فأمره أن يحسن إليها ، وأن يترجل كل يوم ) . رواه النسائي ، ورواه  مالك في الموطأ بلفظ : ( قلت : يا رسول الله إن لي جمة ( 2 ) أفأرجلها ؟ قال ( نعم  . . . وأكرمها ) فكان أبو قتادة ربما دهنها في اليوم مرتين من أجل قوله صلى الله  عليه وسلم ( وأكرمها ) . وحلق شعر الرأس مباح وكذا توفيره لمن يكرمه ، لحديث ابن  عمر رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ( احلقوا كله أو ذروا كله )  رواه أحمد ومسلم وأبو داود والنسائي وأما حلق بعضه وترك بعضه فيكره تنزيها ، لحديث  نافع عن ابن عمر رضي الله عنهما قال : ( نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن القزع  ، فقيل لنافع : ما القزع ؟ قال : أن يحلق بعض رأس الصبي ويترك بعضه ) ، متفق عليه ،  ولحديث ابن عمر رضي الله عنهما السابق .
 ( 1 ) (  ثائر الرأس ) : أي شعث غير مدهون ولا مرجل . ( 2 ) ( الجمة ) الشعر إذا بلغ  المنكبين . ( . )
 8 - ترك  الشيب  وإبقاؤه سواء كان في اللحية أو في الرأس ، والمرأة والرجل في ذلك سواء ، لحديث عمرو  بن شعيب عن أبيه عن جده رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ( لا تنتف  الشيب فإنه نور المسلم ، ما من مسلم يشيب شيبة في الاسلام إلا كتب الله له بها حسنة  ، ورفعه بها درجة ، وحط عنه بها خطيئة ) ، رواه أحمد وأبو داود والترمذي والنسائي  وابن ماجة . وعن أنس رضي الله عنه قال : ( كنا نكره أن ينتف الرجل الشعرة البيضاء  من رأسه ولحيته ) رواه مسلم .
 9 - تغيير الشيب بالحناء  والحمرة والصفرة ونحوها ، لحديث أبي هريرة رضي الله  عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( إن اليهود والنصارى لا يصبغون  فخالفوهم ) رواه الجماعة ، ولحديث أبي ذر رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى  الله عليه وسلم : ( إن أحسن ما غيرتم به هذا الشيب الحناء والكتم ( 1 ) ) رواه  الخمسة . وقد ورد ما يفيد كراهة الخضاب ، ويظهر أن هذا مما يختلف باختلاف السن  والعرف والعادة . فقد روي عن بعض الصحابة أن ترك الخضاب أفضل ، وروي عن بعضهم أن  فعله أفضل ، وكان بعضهم يخضب بالصفرة ، وبعضهم بالحناء والكتم وبعضهم بالزعفران ،  وخضب جماعة منهم بالسواد . ذكر الحافظ في الفتح عن ابن شهاب الزهري أنه قال : كنا  نخضب بالسواد إذا كان الوجه حديدا ، فلما نفض الوجه والاسنان تركناه . وأما حديث  جابر رضي الله عنه قال : جئ بأبي قحافة ( والد أبي بكر ) يوم الفتح إلى رسول الله  صلى الله عليه وسلم : وكأن رأسه ثغامة ( 2 ) فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم (  اذهبوا به إلى بعض نسائه فلتغيره بشئ وجنبوه السواد ) رواه الجماعة إلا البخاري  والترمذي ، فإنه واقعة عين ، ووقائع الاعيان لا عموم لها . ثم أنه لا يستحسن لرجل  كأبي قحافة ، وقد اشتعل رأسه شيبا ، أن يصبغ بالسواد ، فهذا مما لا يليق بمثله  .
 ( 1 ) (  الكتم ) نبات يخرج الصبغة أسود مائل الى الحمرة . ( 2 ) ( الثغامة ) نبت يشبه بياضه  بياض الشعر . ( 3 ) ( الالوة ) العمود الذي يتبخر به ، ( غير مطرأة ) غير مخلوطة  بغيرها من الطيب . ( . )
 10 -  التطيب  بالمسك وغيره من الطيب الذي يسر النفس ، ويشرح الصدر ، وينبه الروح ، ويبعث في  البدن نشاطا وقوة ، لحديث أنس رضي الله عنه قال ، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم  : ( حبب إلي من الدنيا النساء الطيب وجعلت قرة عيني في الصلاة ) رواه أحمد والنسائي  ، ولحديث أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ( من عرض عليه  طيب فلا يرده ، فإنه خفيف المحمل طيب الرائحة ) رواه مسلم والنسائي وأبو داود ، وعن  أبي سعيد رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال في المسك : ( هو أطيب الطيب  ) رواه الجماعة إلا البخاري وابن ماجة ، وعن 
نافع قال : كان ابن عمر يستجمر بالالوة ( 3 ) غير مطراة ، وبكافور يطرحه مع الالوة ويقول : هكذا كان يستجمر رسول الله صلى الله عليه وسلم . رواه مسلم والنسائي .
 
No comments:
Post a Comment